الفصل الثاني ديبوا نفوسة. فعندما نرى جتمعات سكنية معلقة على منحدرات وعرة أو على رأس اجلبل

Transkript

1 ديبوا فسواء تعلق األمر باملساكن مبعناها اخلالص وباملآثر التي حتظى بعناية خاصة من قبل جماعة القرويني أو باخملازن احلصينة أو حتى باألبراج واجلوامع يلفت انتباهنا دائما عبر هذه االشكال املعمارية اإللتزام بنفس طرق البناء وبنفس النماذج والصيغ. يتملكنا انطباع مفاده أن قرية اليوم بنيت بالعناصر ذاتها التي تشكلت منها قبل 1200 عام والتي ال زال بإمكاننا دراسة أطاللها وأنقاضها. تبقى نقطة أساسية ال مجال إلغفالها وهي أن املساكن ومناذج البنيان لم يطلها إال تغيير طفيف على الرغم من»تعريب«نصف الساكنة وتوافد عناصر بشرية أخرى إلى اجلبل. فاملساهمة الوحيدة للعرب في هذا الباب هي اخليمة ذات األهمية الثانوية العارضة واملؤقتة. السكن احلالي الفصل الثاني السكن احلالي السائد بجبل نفوسة هو نتاج لشروط بشرية وتاريخية أكثر مما هو نتاج ألسباب طبيعية أو لإلقتصاد الزراعي فاملوقع اجلاثم والطابع التجمعي. للقرى هما باألحرى لقرون وقرون من مقاومة هجمات اجليران الرحل. وكالهما مرتبط أشد االرتباط باجلغرافية احمللية خالفا ملا قد نظن للوهلة األولى. - 1 موقع القرى مواقع دفاعية وأخرى غير دفاعية : في اجلبل ال يفسر املوقع اجلاثم للقرى دائما بعامل انعدام األمان. لكن ال شك إطالقا في حقيقة هذا املعطى فيما يتعلق بجبل نفوسة. فعندما نرى جتمعات سكنية معلقة على منحدرات وعرة أو على رأس اجلبل الصخري الصعب الولوج على ارتفاع أربعني أو خمسني مترا من نقطة مائية وعندما نرى املنازل تتزاحم وتتداخل حول»قصر«أو حول برج أو برجني فال شك إطالقا أننا إزاء قرى كانت تدافع عن نفسها اعتمادا على موقعها ضد أي خطر خارجي. البد أن تكون هناك أسبابا جدية لقبول اإلقامة معلقا في أعالي اجلبل واإلضطرار إلى تسلق مسالك وعرة شبيهة بسلم وحمل املياه من العيون أو اآلبار باجتاه املرتفعات عندما جتف الصهاريج. ف ق ر وي و اجلبل عانوا األمرين منذ تسعة قرون في دفاعهم عن أنفسهم وممتلكاتهم ضد هجمات وغارات الرحل. ولقد ساعدتهم في ذلك الظروف الطبيعية املواتية التي يوفرها اجلبل وبصفة خاصة تضاريسه. فكل شيء يؤهل جبل نفوسة ليكون مثاال للجبل املالذ: وديانه العميقة وتعرجات أوديته الصغيرة ومنحدراته الوعرة والتقطيع احلاذق لنتوءاته الصخرية. وال يجب أن يغرب عن البال أنه إذا كان من الصعب تسلق املنحدرات الشمالية فمن السهل التسلل إليها من اخللف عبر الهضبة السهبية للظهر. هكذا جند العديد من القرى قد شيدت فوق نتوءات صخرية تبعدها شدة الضيق نسبيا عن الهضبة. لكن واضح للعيان أن اخلطر آت أساسا من السهل. فلن جتد قرية تسيطر عليه سيطرة مباشرة إال إذا كان موقعه أصال صعب الولوج كما هو حال سهل طرميسا فعندما نكون قادمني من اجلفارة ونتسلق

2 223 ديبوا األودية الرئيسية ال جند أثرا لتجمع سكاني واحد. إذ تختفي كل التجمعات السكانية فوق األودية الصغيرة اجلانبية كما لو أن األمر يتعلق باالحتماء من أي خطر خارجي يتهدد السهل هذه املالحظة تنطبق أساسا على اجلزء الغربي من اجلبل. تقع ثالثة أرباع القرى خصوصا جهة الغرب على حافة اإلكليلية نفسها املقطوعة من الهضبة بشكل خارق للعادة. أما ناحية يفرن وككلة فنجد أن الدكات الصخرية الصلصالية والكلسية املتناوبة هي القواعد أو األسس التي تقوم عليها البلدات وفي كل مكان باملنطقة يحمل كلس نالوت نتوءاته الصخرية الثمينة التجمعات السكنية ويحميها أيضا نصف البلدات حوالي 60 بلدة تتشابك مع النتوء الكلسي لنالوت. يكفي أن ي ن ض د ش عب بالطة كلسية مبوازاة جرف أو مبيل نسبي عنه حتى نحصل على نتوء صخري وعر يكون موقعا مثمنا جدا. والعديد من البلدات ترسو على موقع مماثل ومنها طمژين الگنافيد جم اري وأغلب بلدات الرجبان والبلدات الغربية للرياينة خصوصا أوالد ريان تاگربوست الشگارنة وغيرها كثير. وهناك بلدات يعزلها ش عبان. نالوت جريجني )الصورة 32( أوالد عطية في الرجبان وبگ اال في بالد احلرابا ونواة البلدة الضخمة للقلعة )الصورة 35( شرق يفرن كل هذه البلدات حتميها الهوة الطبيعية لوادي متعمق. اختارت بلدات أخرى ذروة ضيقة أو شعفة )رأس اجلبل( مفصولة عن الهضبة حيث جتثم مخازنها احلصينة. أما منازلها فنجدها ملتصقة قدر اإلمكان بالنتوء الصخري الذي ال تخف حدته إال مع بداية الكلس األعلى السينوماني. املغارات محفورة على الدكة الصلصالية احلثية حتت كلس نالوت وبعضها اآلخر يتغلغل في أعماق مهيالت ضخمة. يتمخض عن ذلك في واز ن وتيركت )احلوامد( وفي فرسطا مشهد من أروع ما يكون. اجلحيش )بككلة( جتثم على قمة كلسية جتسم فجا ناتئا )الصورة 36(. القرى نادرة أسفل كلس نالوت واملنحدرات قوية ومليئة باملهيالت في حني أن األراضي ليست بالصالبة الكافية التي تسمح بأن تقام عليها مجموعة من املنازل. البلدات التي متكنت من اإلقامة على املنحدرات هي : اجملابرة بگيگلة ومتلوشايت. تشبه اجملابرة كثيرا )الصورة 34( واز ن مبغاراتها ومنازلها املتراكبة كيفما اتفق. ونالحظ متكن السينوماني األعلى بدكاته احلثيى الكلسية من توفير سطيحات لنتوءات متفاوتة صاحلة لتكون أرضية لتجمعات سكنية قريبة من ماء العيون كالشايب وهي قرية فقيرة وصغيرة )الرحيبات( ومتوگت واوالد براهمة )الرجبان( وأهل العني )الرياينة( والقرى اجملاورة كالقصور وأوالد عبد املولى بككلة تتواجد أسفل اجلرف الكلسي الكبير. الجند بعد ذلك في اجتاه األسفل إال جتمعات سكنية تعد على رؤوس االصابع وهي: أوالد عمور )الصورة 38( تاكبال واملزايدة. وعلى سينوماني أودية ككلة ئگناون )صورة 21( أسفل جادو هي البلدة الوحيدة املتواجدة في عمق الوادي أما الزرارة ودج ي فتجثمان على عارضة معزولة من الكلس السينوماني في أعلى اجلوش وفي سفح نالوت يغطي قصر تكوت شعفة )راس اجلبل( من احلث الفيدالي. هذا النمط من القرى امللتصقة باملواقع األكثر نتوءا غير معمم. ففي منطقتي يفرن وككلة حيث الطوروني األعلى سميك جدا جند كيف أن القرى منتشرة على عموم الهضبة وبعضها ال زال يبحث عن موقع مرتفع وناتئا ما استطاع إلى ذلك سبيال كما هو حال أوالد سعيد بككلة والعالونا التابعة للقلعة أما القرى فتقنع مبرتفعات متواضعة وأحيانا نتساءل إن كان عامل اخلوف أو الرغبة في عدم عرقلة انسياب األنهار املليئة بالتربة اخلصبة هي التي دفعت بها إلى اختيار املكان وبخاصة حوالي يفرن. على كل حال فالتجمعات السكنية املمتدة على طول الهضبة نفسها ليست باألمر النادر وعلى سبيل املثال ال احلصر نذكر خربة الرحيبات ومزغورا وتارديا تضاف إليها قرى من مجموعة يفرن أوككلة. تبقى اإلشارة إلى أن طبيعة التضاريس تقدم لساكنة جبل نفوسة مجاال واسعا من اإلختيارات بصدد املواقع التي يريدون أن يقيموا عليها بلداتهم مبنآى عن كل تربص أوتهديد. القرب من مصادر املياه : غير أن هذا الهامش من االختيار ضيق جدا بفعل ضرورة القرب من بئر أو عني قادرين على إعطاء املياه في السنوات األكثر جفافا السنوات التي تكون فيها الصهاريج فارغة لشهور بكاملها حتى وإن كانت كثيرة. فقد جتد نتوءات صخرية من أجمل ما يكون مهيئة أصال لبناء قرية مالذ- عليها لكنها لم تستعمل لتلك الغاية بالنظر لبعدها عن مصادر املياه. ومع ذلك ففي هذا البلد الشديد اجلفاف حيث يتحكم سلفا موقع العيون واآلبار في األماكن الصاحلة للبناء ال جند إال نقطة مائية واحدة في ئگناون الواقعة حتت عني. وذاك معطى غير مألوف إلى احلد الذي ورد في قولة مأثورة هنا ما يلي:»في كل مكان يذهب الناس للبحث عن املاء أما أت ئگناون فاملاء هو الذي يذهب عندهم«. 169 فاالنطالق بحثا عن املاء بات بديهيا وعكسه هو الذي يدهش. في كل مكان هنا جند أن غريرة الدفاع ذكره ]موتيلينسكي[ ص 87. يقول املثل:»يودان ؤگ ورن ئن أمن د أت ئكناون د تاسون اسن د أمن«. 222

3 225 ديبوا واملنافحة غالبة على امليل إلى الدعة والسهولة والراحة. 170 في غياب قرب مباشر فإن مصادر املياه ال تبتعد أبدا عن القرى بل إن العيون الكبرى كانت وراء قيام مجموعة من القرى توجد خمسة جتمعات سكانية مبا فيها القصر الضخم جلادو حول عني متوگت وثالث قرى واحدة كبيرة متاخمة لعني الرياينة. أما عني اخلاليفة فتربط بني أربع قرى صغيرة. ومير واد الرومية أسفل خمس ضيعات صغيرة لها االسم نفسه ثم يعبر الضيعات الثماني ألوالد عيطة. وميثل املاء مشكلة خطيرة جدا بالنسبة لعدد من القرى. فواز ن تسقي من آبار عميقة ومتردية ومحبسها ال ميتلئ كل عام والزيادة في عدد الصهاريج لن يفيد شيئا في اجملال الصحراوي عن آخره. وفي طمژين ناحية الشرق ال وجود إال لصهاريج وعندما تفرغ تشد الرحال إلى مناطق بعيدة بحثا عن املاء. املشاكل نفسها جندها في أم صوفار التي تعاني من قلة عدد احملابس. وعلى أهل طرميسا السفر مدة ساعة للوصول إلى عني صغيرة أما كاباو فحاولت أن تتدارك خصاصها املائي بزيادة محبسني وتكفي العيون اخلمسة في نالوت بالكاد إلرواء ساكنة القرية و 1000 من الرعاة ومواشيهم أما بعض البساتني التي كانت تروى إلى عهد قريب مبياهها فقد ماتت اليوم نظرا للخصاص املائي. في الشرق مشكلة املاء أقل حدة ذلك أن العيون كثيرة والصهاريج ال متأل بشكل منتظم كما أن تواجد سدمية مائية في الطوروني األعلى ساعد على تزايد أعداد اآلبار. إن مواقع القرى إذن هي التي يتحكم فيها كما قلنا عامل انعدام األمن ترتبط ارتباطا وثيقا بالشروط التضاريسية وجغرافية املياه باملنطقة والسؤال املطروح اآلن هو: إلى أي حد تكيف هذه املواقع مع مقتضيات االقتصاد الزراعي الوقع واالقتصاد الزراعي : تقع كل القرى باجملال الشجري في منتصف الطريق بني أراضي اجلفارة والظهر وعلى مقربة من األراضي املزروعة باحلبوب في السهل معنى ذلك أن متوقعها منطقي ومعقول على العموم. فماذا عن موقعها بادئ ذي بدء ينبغي أن نتساءل والتساؤل معقول ماذا كان سيكون موقعها العادي واجلواب بطبيعة احلال بالقرب من العيون واآلبار أي بعيدا عن املواقع احلالية ولكن على أماكن غير مالئمة في األغلب األعم إما النحدارها أو لضيقها. لن يكون املوقع العادي إذن إذا صح احلديث عن موقع كهذا مشجعا أكثر من املوقع احلالي بل إن عددا من القرى متموقعة جيدا حيث هي اآلن إذا استثنينا بطبيعة احلال ال أحتدث هنا عن الواحات الصغيرة للجوش وشكشوك املوجودة أصال في اجلفارة. مشكلة املاء ألنها تتواجد بالقرب من األراضي املغروسة أو املزروعة لسطح اجلبل وأراضي األودية وعلى أرض صلبة دفعة واحدة. ففي الغرب حيث مصلحة املالك تتوزع بني أنهار الهضبة واألودية العميقة وحيث الالأمن يبلغ ذروته جند أن كل القرى تقع في اجلرف الكلسي لنالوت. أما في الشرق الذي يفضل أهله تربة احلمري املتواجدة في الهضبة. أما في أحواز يفرن وككلة حيث الزراعة اجلافة ممكنة على سطحيات الوديان فإن القرى نازلة. معنى ذلك أن املوقع كالتموقع أكثر تكيفا مما قد نتصوره للوهلة األولى مع االقتصاد الزراعي والسبب غاية في البساطة وهو أن االقتصاد الزراعي ناجت في جزئه األكبر على األقل من موقع ومتوقع القرى. فقد كيف النفوسيون تدريجيا وهم احملاصرون باجلبل واملضطرون إلى العيش بأعداد كبيرة في قرى جاثمة خصوصا جهة الغرب حيث اخملاطر أشد إمكانات البلد مع تواضعها لم يكونوا قادرين على تغييرها. وقد عانوا جراء ذلك ألن الكثير من القرى تأثرت بهذا املوقع الدفاعي فيما هو عليه متوقعها املنحرف. الهضبة اخلصبة لفساطو - الرجبان املكسوة بغابة جميلة من أشجار الزيتون واملمتدة ببساتني جافة وأحيانا مزروعة بالشعير خالية متاما من اية جتمعات سكنية غير أن هذه حتاصرها في شكل تاج على النتوءات الكلسية. هناك قرى على ارتفاع يبلغ مئات األمتار بل ويطال أحيانا الكيلومتر بعيدا عن أية قطعة أرض قابلة للزراعة. فطرميسا اليوم هجرها تقريبا كل سكانها وجارتها شفي هاجرت منذ حوالي قرن وتقع شفي اجلديدة التي بناها سكان االولى كيلومترين إلى اخللف في مجال تربة احلمري. وفي تخوم املساحة املزروعة باشجار الزيتون. أوالد ريان خاوية على عروشها منذ سنوات فقد هجرها سكانها 500 متر باجتاه اخللف طمعا في العثور على أرض مالئمة لتحفر عليها مساكن كهفية وحدها الضرورة هي التي جتبر الناس هنا على اإلقامة في قرية جاثمة بعيدا عن القطع الصغيرة القابلة للزراعة ب 500 إلى 1000 متر من الصحراء الصخرية. - 2 القرى والضيعات ألسباب أمنية ومائية مساكن جبل نفوسة مأهولة. غير أن نسبة االكتظاظ أو الكثافة السكانية ليست دائما نسبة كبيرة ونصادف كل مناذج السكن فيه من القرية املأهولة جدا إلى مجموعة من الضيعات. ابدا لن تقع عينك على تشتت حقيقي للسكان إال في احلالة اخلاصة للسكن املؤقت. 224

4 ديبوا 227 فمجموعات اخليام املوجودة بكل مكان بالربيع في الظهر واجلفارة شاهدة على تشتت مؤقت للساكنة على غرار املغارات أو مجموعة من املغارات الغير املأهولة إال في موسم نضج فاكهة التني. ال ينبغي أن منر مرور الكرام على هذه احلاالت اخلاصة ألن سكان عدد من القرى يعيشون ما يقارب نصف العام خارج قراهم ويقدمون بذلك شهادة حية على أن السكن املركز الدائم غير متكيف متاما مع خصوصيات البلد. يشار أيضا إلى أن السكن يعتمد إلى حد ما على النماذج السكنية املتوفرة. فالتجمع السكاني املقيم في مغارات غائرة يظهر كما لو كان مشتتا في حني أن مجموعة من املنازل واملساكن الكهفية ذات التصميم األفقي واملتراكبة تعطيك انطباع القرية بصفة أكثر. فنماذج البناء هي املسؤولة عن الفروقات الدقيقة بني التجمع السكني والتشتت من عدمه وال فائدة من االستعانة بها كأداة أو كقاعدة لتصنيف القرى كما أن تصنيفا ينطلق من املوقع اخلارجي خالص وال داللة له. باملقابل ميكن تعريف أمناط القرى تبعا لدرجة أو نسبة الكثافة. فهذه الطريقة في التصنيف ستسمح لنا بتسليط الضوء على وقائع شديدة التعقيد وطرح بله رمبا حل مشكلة أصل القرى. القرى ذات البنية املنسجمة : األكثر عددا هي القرى ذات البنية املنسجمة فكلها مأهولة جدا واملنازل فيها تتزاحم وتندس في بعضها البعض من فوضى كاملة. ال جدوى من البحث عن تصميم عقالني. تتداخل األزقة الضيقة وامللتوية مع املنازل مم د ة الطبقات العليا لكلس نالوت أو متسلقة إياها بعناء إذا كان املوقع مسطحا يتملكنا انطباع أننا إزاء متاهة. ال وجود لساحة عمومية وال حلوانيت إال بائع أو بائعي السكر والشاهي )وأحيانا بعض املواد الغذائية( يقيمان في أي مسكن وال وجود لصناع أيضا. في هذا البلد ذي االقتصاد الفالحي كل واحد يعيش مما لديه وكل واحد هو صانع. يظل القصر واملسجد هما قلب التجمع السكاني داخل هذا اخلليط من املنازل. القصر هو املركز االقتصادي واملسجد الذي يتواجد فيه أحيانا ضريح لشيخ مبجل هو املركز الروحي وكالهما يرمز إلى النواة األصلية للتجمع السكاني املنازل اجملاورة هي األكثر قدما ولم تتبق منها سوى أكوام من األنقاض. ما أن نبتعد عن املركز حتى جند أنفسنا في قلب األحياء األقل قدما أو القدمية نسبيا وقد متتد أحيانا خارج النتوء الصخري حيث يجثم اجلزء األعرق من القرية وتقتفي أثر الهضبة أو تتمدد على قاعدة الربوة التي تعلوها أنقاض القصر في اجلملة ال ميكن أن نتبني سوى التصميم الكرونولوجي. )الرسم 19( تراكب املساكن الكهفية في واز ن. وضعية املغارات لها عالقة بالدك ات ابكلسية الرخوة الحظ الطريق الضيقة التي تعلو اجلرف املعوم بحائط. عادة ما متتزج املنازل واملساكن الكهفية ذات التصميم األفقي أو تشكل مجموعتني متالصقتني دون الظهور مبظهر حي ني مختلفني أو متفرقيت. ففي واز ن على سبيل املثال يجثم القصر واملنازل القدمية على نقطة مرتفعة ووعرة في كلس نالوت بينما تعلو املغارات على بعضها البعض على امتداد املنحدر. غير أننا منر من منوذج سكني إلى آخر دون أن نحس بذلك فاملنازل املوجودة في األعلى تتوفر عادة على مغارة حتت األرض واملساكن الكهفية على املنحدر تضيف حجرة أو مأوى يبنى في الباحة. إن تراكب املغارات على سفح من األراضي الضعيفة املقاومة واملغطاة باملهيالت دفع السكان إلى إسناد التربة بحيطان من حجارة جافة ما جعل األزقة خطيرة بعض الشيء )الرسم 19(. ذلك أن احلوادث الناجتة عن املهيالت وسقوط األحجار متواترة سيما في األيام املاطرة. أصال تعطي هذه املغارات انطباعا أقل كبرا عن نسبة الكثافة السكانية. ويعود ذلك باملقام األول إلى أن مغارات تاالت )كاباو( أو قرية أوالد خليفة )الزنتان(. وكذلك املساكن الكهفية تتوغل في األرض وتعطي مساحة شاسعة. ومع ذلك فاألمر يتعلق فعال بتجمع سكاني حقيقي. إن القرى ذات البنية املنسجمة مأهولة دائما بساكنة منسجمة أيضا أو بساكنة ذات أصول مختلفة لكنها امتزجت بعد ذلك. ففي العديد من القرى جند ناطقني باألمازيغية 226

5 ديبوا وناطقني بالعربية يسكنون البيت نفسه على الرغم من اختالفهم املذهبي فالتعارض هنا لم يصمد أمام قرون من العيش املشترك وأمام االحتاد الناجت عن اخملاطر التي واجهها اجلميع كرجل واحد. القرى ذات األحياء املترابطة : تشبه كثير النمط الذي وصفناه للتو ال فرق بني النمطني ولهما الشكل املمزوج نفسه. ويتناهى إلى أسماعنا أنه تسكن عوائل على ميني ويسار الزقاق املتعرج نفسه ال يخالطون أبدا على الرغم من جتاورهم منذ قرنني أو ثالثة قرون. يتقابل احليان لكن وعلى غرار اللوز داخل القشرة نفسها فإنهما يتماسان وال يتداخالن. هكذا يعبر حيان متمايزان في تينزغت )احلرابا( التي يعود جتمعها السكاني إلى أزيد من 60 سنة عن هذا الصراع اخلفي»العربي األمازيغي«. ففي تارديا وهو حي»عربي«يتعايش مع حي»أمازيغي«ولو أن أهل هذا األخير تعربوا منذ ثالثة قرون ونصف. بلغ إلى علمنا أيضا أن ثلة من األسر اليهودية تعيش بالقرب من يفرن في قرية املعانيني )الگصبات( والگصير وخصوصا الشگارنة وتسكن في مجموعة من املنازل تكون حيا صغيرا معزوال لكنه غير متمايز عن الكتلة السكانية ككل واليسم ى أبدا باحلارة. يسكن اليهود في الشگارنة أسفل القرية داخل بيوتات مزدوجة: نصفها مغارات ونصفها اآلخر منازل. يعود التجمع السكاني جلادو إلى حوالي 3 قرون ويتكون من جزءين تأسسا على األرجح على يد مجموعتني أمازيغيتني مختلفتني فوق ربوتني متجاورتني. وفي املكان الفاصل بينهما يبنى مسجد وبعد ذلك سوق. هكذا مت الربط بني حيني كانا متباعدين بحوالي 30 مترا. أهل جادو األمازيغ نسوا كلهم تقريبا أصولهم األولى. كما أن الناس في قرية السالمات )الرحيبات( ال زالو يتذكرون أنهم كانوا منقسمني إلى أربعة أحياء أي بلغة زمن مضى أربع فخدات لكل منها قائدها غير أن األسر اليوم متمازجة وما عاد للتقسيم القدمي عندهم أي معنى وسوف ينسى نهائيا بعد جيلني أو ثالثة أجيال. إن متازج األسر من أصول متنوعة يتم بسرعة إذا كان يجمع بينها الدين واللغة وتفقد أحيائها األصلية بذلك تفردها األول. تشهد القرى ذات األحياء املترابطة على األصول املتعددة للساكنة وليس بالضرورة على تعارضات عميقة. وقد تكون في حاالت كثيرة نتاجا لتغير في النمط السكني. فعندما يهجر القرويون منازلهم تدريجيا ألجل حفر مساكن كهفية غائرة فإنهم يخرجون إلى الوجود حيا يختلف متام االختالف عن احلي القدمي. االختالف ظاهر للعيان لكنه بدون داللة حقيقية. هكذا خرج حي شاسع إلى الوجود منذ سنوات في نالوت وثمة العديد من القرى التي حدث فيها تغيير مماثل ما أن أخذت بنمط املغارات. القرى ذات األحياء املنفصلة : من الوارد أن تكون لألسباب نفسها أثارا متباينة فالقرى ذات األحياء املنفصلة والدالة على تخلي الفت عن املسكن املتكدس لها األصل ذاته الذي لألوائل. يتعلق األمر بشقيقني غير متشابهني. ال يتعلق األمر بعد بضيعات ألن اجملموعات العديدة من املنازل تتجاوز كثيرا وعادة ما ال تكون لها أسماء محدودة وال يفصل فيها بينها إال حوالي 100 متر. وقد تعود عملية الفصل كما هو احلال في السابق إلى النموذج السكني ذلك أنه على القرويني أن يذهبوا بعيدا نسبيا عن منازلهم بحثا عن سمك ترابي كاف ميكنهم من حفر املغارات وهو ما ينطبق على أوالد ريان وعدة قرى معزولة جدا في جرفها الصخري. غير أنه يعبر كذلك عن اختالف األصول وكثيرا عن تنافس حقيقي. تتناثر أحياء مزغورا على هضبة الرحيبات وكل قاطنيها ناطقون باألمازيغية ومنذ مدة طويلة والسكان متمازجون في هذه األحياء بغض النظر عن خصوصياتهم. ومن غير املستبعد أن هذا التقسيم يعود إلى اسباب جنهل عنها كل شيء. ففي أوالد عمور وهي قرية صغيرة بككلة ال زالت األسر»األمازيغية«الثالث أو األربع تعيش في مجموعة من البيوت املنعزلة رغم أنها تعربت منذ مدة. كما أننا جند انفصاال بي نا بني حيي الندوة )الرحيبات( حيث يعيش أوالد بوجديد وهم أمازيغ إباضيون مبعزل عن»العرب«. متثل قرية جيطال )الرحيبات( حالة معقدة بعض الشيء حيث تفصل بني أحيائها الثالثة حوالي 50 إلى 100 متر. واحلي املتواجد جهة الشمال هو على األرجح أقدمها ويقطنه أمازيغ عزابا إباضيون وهم مجموعة من األسر املعروفة بتمكنها من العلوم الشرعية والراجح أن أجدادها قدموا من جادو وال زال بيتهم األول يشار إليه باألصبع. أما احلي اجلنوبي فيقطنه أمازيغ زناتة املعربون. واحلي املتواجد جهة الشرق هو حي»عربي«تقطنه الفخذة الفرعية آلل بحرين من أوالد شبل. تقدم لنا إذن جيطال مشهدا بشريا متنوعا قوامه أمازيغ إباضيون وأمازيغ معربون و«عرب«فلن جند أحسن منه في هذا الباب. كل ساكنة أهل العني )الرياينة( الذين متتد أحيائهم فوق عني مهمة من»العرب«غير أن انفصال األحياء يفسر إلى اختالف أصول الفخذات األربع الوافدة إلى هذا املكان

6 ديبوا 231 قبل»ما يربو عن 750 سنة«حسبما يقوله أهل البلد. العيابية أتوا من الساحل )أوالد جابر( وأوالد عمور من الساحل الشمالي الشرقي إلقليم طرابلس وأوالد عنان املنحدرين من قبيلة أوالد شبل. زد على ذلك أن جيطال ال تتوفر على أي قصر من شأنه ربط الصالت بني هذه األحياء. يتكون مركز الزنتان الذي تعلوه ثكنة قادة القوافل اإليطاليني من ثالثة أحياء من املغارات احملفورة على امتداد األنهار الثالثة املتالقية عند قدم جامع كبير وقدمي. تقطنها فخذات مختلفة: أوالد الذويب في الشرق أوالد دالالت في الشمال وأوالد عيسى في اجلنوب. يعلو مسجد بتسع أجنحة على املشهد كله ويحقق له حدة روحية. مجموعات الضيعات : تعتبر القرى ذات األحياء املنفصلة محطة انتقالية بني التجمعات السكنية ومجموعات الضيعات. عموما الضيعات عبارة عن أحياء متباعدة كل حي هو مبثابة جتمع سكني صغير مبوقعه اخلاص. ال زال مجموع هذه الضيعات يحمل اسما مشتركا ولكل ضيعة إسمها اخلاص زد على ذلك أن كل ضيعة تقيم وسط أراضيها بل قد تذهب الفردية االقتصادية أبعد من ذلك بامتالك كل ضيعة لقصرها اخلاص. تنتمي قرية أوالد عطية )الرجبان( وهي تيركت باألمازيغية العريقة التي ال زالت أنقاضها ظاهرة للعيان على شعفة معزولة 171 أقول تنتمي دفعة واحدة إلى صنف القرى ذات األحياء املنفصلة وإلى مجموعات الضيعات )الرسم 20(. يقول قاطنوها بأنهم عرب وتتوفر على مركز مهم نسبيا حيث تسكن وتتمازج الفخذات األربع للكليات وأوالد بن ناصر وأوالد عبدالرحمن وأوالد راشد واجملموعات األربع من الضيعات اجلاثمة على جرف كلسي واحلاملة السم نصف الفخذة أو اجلد األول أو املكان وهي: علي النجاح بوحامد ل گرين واجلوابة. وتقع هذه اجملموعات اخلمس من املنازل فوق رأس النهر نفسه وتغترف حاجياتها من املياه من نفس البئرين هناك إذن تيركت هذه وتيركت احلوامد. ]موتيلينسكي[ ينسبهما معا إلى قصر تيركت الوارد في السير بسبب قلة التحري. يراجع 83 و ص 106 امللحوظة 1. والظاهر أنه ينسب الثانية إلى تلك الواردة في السير والتي هزم بالقرب منها الك تاميون. )الرسم 20( تيركت )أوالد عطية(. اخلط البارز يرمز إلى النتوء الكلسي لنالوت - 1 القرية القدمية املتداعية )تيركت( مع بقايا قصرها )ق(. -2 مجموعة الضيعات احلالية: أ التجمع السكني األساسي وتقطنه فخذات الكليات أوالد بناصر أوالد عبد الرحمن أوالد راشد. ب علي النجاح. ج بوحمادة. د لگرين. ه اجلواوبة. يشبه جتمع الضيعات وحدة طبيعية صغيرة: عمق وادي صغير قطعة من الوادي إلخ يخلق جتاور األشجار واملساحات املتجاورة املزروعة باحلبوب في اجلفارة وعادة الرعي في احلقل نفسه بالظهر وكذلك امتالك النقطة املائية عينها يخلق كل ذلك وسطا اقتصاديا مشتركا يتحول إلى بوثقة تنصهر فيها الساكنة ذات األصول املتنافرة. يقطن ضيعات الزرگان الصغيرة الثالث املتداعية أمازيغا م عربني املتحدرين من آل ورغامة باجلنوب التونسي. والوادي احلامل لنفس اإلسم حيث ثلة آبار تسمح ببعض البستنة هو املكان الذي يجمعهم. مجموعة الضيعات الثماني ألوالد عطية بيفرن أكثر متييزا. فهي تتوزع على صدفية رائعة هي النموذج األصلي للوحدة الطبيعية الصغيرة يتعلق األمر بوادي متوسط متقرع عن واد الرومية أسفل اجلرف الكلسي الطوروني. الصدفية محفورة على الطفل واحلث السينوماني ومغلقة من اجلهات الثالث بالنتوء الكلسي. تتوج الضيعات الثماني احلاملة السم فخذات فرعية. 230

7 ديبوا هناك ضيعتان أخريتان مهحورتان اليوم. يزعم أوالد عطية أنهم إخوة ينحدرون من آل احملاميد. فهل هذا صحيح أو أن العيش املشترك في هذه الصدفية الطرية املسقية جزئيا مبياه وادي الرومية واالمتالك املشترك لقصر متداع اليوم هما اللذان ساهما أميا إسهام في هذه القرابة املزعومة بني أوالد عطية أال ينطبق الشيء نفسه على سكان الرومية الغامضي األصول والتي تسيطر ضيعاتهم اخلمس على اجملرى املائي الصافي والظالل الوارفة للوادي املتفرع عن واد الرومية على أي فالقرب من الوادي محفوف باخملاطر بسبب موجات احلمى حتى أن الضيعات اخلمس مت هجرها وحفر أهلها مساكن كاهفة في اجتاه األعلى. ذهبت أربع فخذات إلى هناك لإلقامة في جتمع من املغارات واخلامسة وهي من أوالد بني نوافي بقيت لوحدها. تتناثر الضيعات األربع للمزايدة كذلك على أودية ككلة حيث ميتلك أصحابها أراضي باستثناء الذين يتواجدون في األعلى قرب ضيعة بوموسى التي يقطنها أوالد سعيد وتتوفر ضيعتان من هذه األربع على مخازن حصينة. أما السكان وهم أمازيغ تعربوا حديثا فيعيشون في وسط طبيعي جد محصور. إلى جهة اجلنوب جند آل اخلروب وآل القصبة وقصر اجلديد وهم أقرباء أوالد بوزيري ويتواجدون على الهضبة وعبثا بحثنا لهم عن إطار طبيعي. في املنطقة نفسها يتوفر أوالد عمران على سكن أكثر تعقدا فهم يسكنون بخمس ضيعات 172 متجمعة في الوادي الفرعي نفسه احملفور برخاوة في الطوروني األعلى. ضيعتان منهما فقط تتوفران على قصر وأربعة آبار ترفدهما بحاجياتهما من املياه. كل السكان هنا يزعمون أنهم من اصول عربية وهو أمر مشكوك فيه إذ نتساءل: أليست هذه الوحدة املزعومة نتيجة هنا أيضا للتواجد في نفس الوسط اجلغرافي ويزعم أوالد عمران أيضا بأنهم أقرباء ألهل القرى الصغيرة أو الضيعات الغير املتجاورة جدا والتي يظهر أن أصولها غير مشكوك إطالقا في أمازيغيتها. يتعلق األمر بآل إنزو وهي ضيعة ملتصقة بالقصر القدمي فوق وادي السوادنة وملحقتها الصغيرة ناگور جارفات املعايفة بل وحتى السودانة. يتعلق األمر في الواقع بسيطرة قدمية وتكون»صوف«حقيقي يجمع كل هذه التجمعات السكنية في جبهة واحدة ضد القرى األخرى لككلة وخصوصا أوالد بوزيري وأوالد سعيد والقلعة. واحلال أن هذا التحالف السياسي متخض عنه إحساس بالقرابة العرقية. ندرك بامللموس األخطاء التي ميكن أن نقع فيها إذا نحن ثقنا ثقة عمياء بتقاليد األهالي. ميكن ايضا إدراج القرى الكهفية الثالث للزنتان ضمن مجموعات الضيعات. فأوالد بهلول تتكون من عدة مجموعات من املغارات محفورة بجانب عدة أودية صغيرة منفرجة في الطوروني األعلى والقرية األخرى اخملتلطة بثلة من املنازل حتيط بجامع قدمي يقع بالقرب من املركز. أما أوالد عميان فتضم مجموعة من املغارات بالقرب من جامع في حني أن ضيعات أوالد القصر تتجاوز فيما بينها. فكيفما كانت مجموعات مغارات الزنتان فإنها ال متثل منطا خاصا ومنسجما بل هي عبارة عن تنويعات قليلة التكثف أمناط نصادفها في كل مكان وتلك نتيجة كما قلنا آنفا للنموذج السكني السائد. مجموعات القرى : أخيرا يتشكل النمط اخلامس من عدة مجموعات من القرى ال من مجموعة من الضيعات والتقارب احلاصل بينها ال يستثني تفرد كل واحدة بخصوصياتها. تتكون اخلاليفة في جنوب غرب يفرن من الترابط اجلغرافي بني أربع قرى مأهولة بساكنة ذات أصول متباينة وغامضة )الرسم 21(. الراجح أن أوالد منصور املستقرين على ربوة طورونية على السفح الشرقي للوادي وهم من أصول مختلطة هم أصحاب أقدم قرية. أما ورجني على اجلرف الذي يفترض أنهم من آل لواتة. وأحدث قرية هي أوالد الصغير املأهولة ب»العرب«. فما هي القواسم املشتركة بني هذه القرى التي متتلك كل واحدة منها فيما مضى مخزنها احملصن سوى القرب وتالقي األودية الفرعية حيث توجد أراضيها ومياهها الصافية املنبجسة من عني قوية مجاورة والتي تسقى أشجار زيتون رائعة وعدة أشجار نخيل فما الذي وهب هذه التجمعات السكنية اخملتلفة إحساسا باالنتماء إلى اجلماعة سوى هذا الوسط اجلغرافي الذي تتواجد فيه الشك أن الشيء نفسه ينطبق على أوالد علي شرق أراضي الرياينة التي تضم قراها حوالي 800 نسمة. ما عاد الناس هنا يتذكرون أصوال غير متجانسة ينحدرون منها. فآل قوايدة وآل منعة يعيشون في التجمع السكني الرئيسي الذي يتواجد به. جامع دون باقي التجمعات وتبعد عنه قرى آل هاللبة واملغاربة ببضع مئات األمتار أوالد سعيد خليفة االفي علي بياض أحمد محمود وخلف اهلل

8 ديبوا )الشكل 21( قرى اخلاليفة مجموعة من أربع قرى في عمق الوادي الفرعي نفسه وبالقرب من وادي ذي مياه صافية: وادي اخلاليفة )خط نباتي ضيق يدل على مجراه(. م أوالد منصور. أ أهل الوادي. و- ورجني. ص وجهة أوالد صغير. من الوارد جدا أن يكون هذا التجمع السكني أو ذاك من جتمعات اخلاليفة وأوالد علي قد تأسس في وقت الحق على يد مجموعة من العوائل املتحدرة من أحد أقدم القرى وبالتالي فإنها تندرج ضمن ما ميكن تسميته بالقرى التابعة املنتشرة على نطاق واسع باجلبل. فسواء كان األمر بفعل كثافة بشرية زائدة فوق موقع شديد الضيق أو نتيجة خصومات أو طموحات رجل نافذ أو فقط بفعل نزوة زعيم عائلة يبادر نفر من الناس إلى بناء منازل على موقع مجاور ويصبح ذلك أمرا واقعا. ففي حاالت كثيرة حتدث تنقالت من مكان آلخر ومعها يتم فصل جزء من السكان عن الكتلة العامة. على غرار فرق النحل ليضرب في مناكب األرض بحثا عن وسط أفضل. )الرسم 22( تصميم القلعة. قرية تنامت تدريجيا حول اجلرف الذي تعلوه أنقاض القصر واملسجد القدمي سواء من خالل إضافة أحياء جديدة أو تشابك ضيعات متجاورة )أنظر الصورة 35(. تنامت القلعة تدريحيا حول القصر واجلامع القدمي اللذان هما نواتها األصلية ثم جاء دور العالونة وأخيرا أوالد عبداهلل بحيث يتكون اجملموع اليوم من كتلة بشرية قوامها 3000 ساكن. السالمات في أقصى غرب هضبة الرحيبات تضاعف عددهم إذ أنشأوا جتمعا سكنيا قدميا ثانيا بجانب التجمع األول على الضفة األخرى للشعب. أما گصبة بن مانا في شمال يفرن فكل الدالئل تشير إلى أنها منشأة قدمية ل تاغما وتازمرايت مت إنشاؤها كما رأينا قبل قرنني ونصف على يد مجموعة من العوائل املتحدرة من الگصير. وفي اجتاه احلنوب جند أم اجلرسان وقد تضاعفت بضيعتني وبككلة فإن أوالد سعيد القاطنني بقرية جاثمة كانوا يعيشون أيضا منذ زمن بعيد في ضيعة بوموسى. وقد أسس املركز الرئيسي في الرجبان )تارديا( جتمعان سكنيان متجاوران يدعيان الگصبة واخلربة. بعيدا إلى جهة الغرب جند مرة أخرى واقعة مماثلة للتي صادفناها عند احلوامد. ذلك أن جزءا من سكان تيركت القدمية هاجر القرية التي كانت مسقط راس أبناءه منذ

9 ديبوا حوالي قرن في اجتاه إحداث مداشر تابعة لتاالت واخلربة بالقرب من اشجار الزيتون. أخيرا نشير إلى أن أهل نالوت هم الذين سكنوا مؤخرا ومجددا قصر تكوت. في البدايات األولى يحتفظ بعالقات وثيقة بني القرية الوليدة والتجمع السكني لألم إلى أن يحدث بينهما انفصال عنيف ناجت عن االفتقاد التدريجي ألية آصرة مشتركة سوى ذكرى قرابة موغلة في القدم ذلك أن التجمع السكني اجلديد ينجح في توفير قصره اخلاص وحياة اقتصادية مستقلة. بالقرب من يفرن القرى املتجاورة القراديني واملشوشيني واملعانيني عبارة عن ثالثة إخوة لهم االسم العائلي نفسه الگصبات وجنهل كل شيء عن أصل القرابة بينهم. يصعب إدراج جتمعي مرگس ببالد احلرابا ضمن الفئة نفسها ذلك أن األمر يتعلق على األرجح بإخوة أعداء قدامى. أحدهما وهو األقدم أمازيغي األصل ويعلو وادي بگيگيال وعلى ربوة مجاورة بنيت قرية صغيرة»عربية«هذه املرة. أما اليوم فسكان القريتني متمازجون وكل صراع زال بينهم ولم تعد موجودة بينهم سوى أربع إلى خمس عوائل إباضية وناطقة باألمازيغية. توزع أمناط السكن : قرى ذات جتمعات سكنية متداخلة بال أحياء )ضيعات / مجموعة بلدات( هكذا جند أنفسنا في جبل نفوسة أمام كل أشكال السكن املتجمع إلى هذا احلد أو ذاك دون تشتت حقيقي إال في حالة السكن املؤقت. احلد األدنى من التمركز السكاني جنده في مجموعة مغارات الزنتان. فلنحاول توضيح وتفسير توزع هذه األمناط من السكن. توجد مبنطقتنا 114 قرية )وهو رقم قد يزيد أن ينقص ببعض وحدات ذلك أن التمييز بني الضيعة الضخمة والقرية الصغيرة قابل للنقاش عادة(. واحلال أننا إذا متعنا في اخلارطة امللحقة هنا )اللوحة )XIX فإننا سنالحظ أن عدد القرى يتزايد بنسبة كبيرة من الغرب باجتاه الشرق. هذا فقط قبل 22 سنة في اجلزء الغربي من هذه املنطقة وكل القرى األخرى تتناثر في شرق نهر وادي جادو. تضم نفوسة الشرقية من القرى إذن خمس مرات ما يوجد في مثيلتها الغربية ومن الساكنة 3 مرات ما يوجد أيضا في هذه األخيرة يزداد عدد التجمعات السكانية بوثيرة أسرع من عدد السكان ومن البديهي أن يكون هؤالء أقل متركزا مع مرور الوقت. هذا االختالف قابل للتفسير بأسباب عديدة وفي مقدمتها األسباب اجلغرافية. ويكفي هنا استحضار تزايد عدد العيون من الغرب باجتاه الشرق وإمكانية مضاعفة اآلبار خصوصا في الطوروني األعلى للهضبة لبيان ذلك زد على ذلك اتساع مساحة األراضي القابلة للزراعة وإمكانية مزاولة الزراعة اجلافة على مساحات تزداد طرا. فتواجد القرى على الهضبة إلى الشرق من اإلنقطاع الكبير لوادي جادو له عالقة مباشرة مع اتساع رقعة تربة احلمري. كما ينبغي األخذ بعني االعتبار عامل انعدام األمن احلاضر بقوة أكبر في الغرب منه في الشرق على األقل في القرون األخيرة. ال تتواجد في اجلزء الغربي من اجلبل إال القرى املتجمعة بأحياء متمايزة أو بدونها. فهذا النمط من القرية سائد تقريبا بكل مكان وال تبدأ سلسلة القرى ذات األحياء املنفصلة إال انطالقا من هضبة الرحيبات وال تقع أعيننا على مجموعة ضيعات إال بعد اجتيازنا لوادي الرجبان. فهل يعود أمر تواجد هذا النمط السكني في الربع الشرقي من املنطقة دون غيره إلى شروط جغرافية وغياب أكبر لألمان فقط يغرينا أمر االقتراب من هذه النقطة القصية ملدار التوسع القدمي لبالد نفوسة التي ال تتجاوز بلدة الزنتان احلاليني حيث سيتضح لنا أن السكن املتجمع كثيرا لم يكن دائما هو القاعدة في القرون املاضية. مشكل تكون القرى : إن الدراسة الدقيقة ألشكال السكن احلالي واملشكالت التي يطرحها حتمل معها صدى لالضطرابات العميقة الناجتة عن استقرار الوافدين اجلدد إلى حد ما مقارنة مع السكان األصليني حيث جنحوا في إيجاد موطئ قدم لهم في اجلبل فأنشأوا قرى استقروا فيها مكان األصليني وأغلب الظن أنهم اقاموا بجانبهم في قرية مجاورة ضيعة وحي منفصل بالكاد عن التجمع السكني ومجموعة من املنازل في القرية ذاتها. هكذا نالحظ كيف أن التعايش يسبق دائما التمازج ورأينا كيف أن هذا األخير ال زال بعيد املنال في أكثر من مكان. يترجم السكن احلالي في األغلب األعم العوائد الترحالية القدمية للوافدين اجلدد. لدينا انطباع وأحيانا اقتناع بأن مجموعة من األحياء أو الضيعات ماهي إال نتيجة لعملية تثبيت فخذة من فخذات القبيلة علما بأن الفخذات الفرعية املسماة حلمة أنشأت ضيعتها اخلاصة. فضيعة أو ضيعتان قد تكونا نتيجة لالستقرار السابق أو حتى الالحق جملموعة من األسر الوافدة. يحمل الكل اسم الفخذة وكل ضيعة حتمل إسم اللحمة إال إذا متكن اسم مكان من تعويضه وفرض نفسه. لكن مع مرور الوقت تنمحي تدريجيا هذه البقايا من منط العيش حتت تأثير الوسط اجلغرافي. فسواء بواسطة القوة أو بواسطة وسيلة أخرى يصبح الوافدون اجلدد مالكني

10 ديبوا لألشجار وآجال أم عاجال يصبحون غراسون. وقد جنحت الغراسة في تثبيتهم جزئيا بأماكنهم مبقتضى القانون الذي يبدو أنه عام بالشمال اإلفريقي. وقد انتهى بهم األمر إلى تبني نفس منط عيش األمازيغ. فمما ال شك فيه أنهم بقوا ملدة طويلة يتصرفون كأهل سهوب أكثر مما هم غراسون وأكبر دليل على ذلك الزنتان. غير أن االختالفات تنمحي تدريجيا بينهم وبني السكان االصليني في اجلبل. بل ميكننا أن نتساءل إن لم يكن هؤالء الوافدون اجلدد قد دفعوا األمازيغ إلى تبني اقتصاد زراعي يجمع بني السهب واجلبل إذا لم يكن هكذا اقتصاد يعود فعال إلى تاريخ موغل في القدم. هذا من جهة ومن جهة أخرى لن يفوت هؤالء القرويني الوافدين تأثرهم بنظام الوحدات الطبيعية الصغيرة في الوسط الذي كانوا يعيشون فيه وقد رأينا كيف أن اجلوار ومنط العيش املماثل وامللكية املشتركة ألراضي احلبوب وعني أو مجموعة آبار يساهمون جميعا في خلق روابط أقوى من رابطة الدم. أكثر من ذلك فقد تأكد أن ثمة قرابات من نوع آخر قد تخلفت بني مجموعات متجاورة وأجنبية عن بعضها البعض غير أن العقلية املعطوبة للرحل القدامى ال تتصور تفاهما ووفاقا إال انطالقا من الرابطة الدموية. منيل إلى االعتقاد بأن سكن الضيعات أو ذي األحياء املنفصلة أدخله الرحل مؤخرا إلى جبل نفوسة عند استقرارهم فيه منذ ستة أو ثمانية قرون أو على األقل فض لوه على أنواع السكن األخرى. لم يكن في اجلبل شيء إال مجموعة من الضيعات القدمية تسكنها أسر أمازيغية ومنها املزايدة على سبيل املثال. ال شك أن األمر يتعلق كما سنرى بعادة قدمية جدا. غير أننا نتساءل في معرض ذلك إن لم يشجع توسع هذا النمط السكني في شرق نفوسة عملية التعريب ذلك أن هذه األخيرة ستتقدم بسهولة أكثر من ضيعة إلى ضيعة منها من قرية إلى قرية. ولقد سجلنا بالضبط نسبة أكبر من التعريب مؤخرا في جهة الشرق. من املؤكد أن الرحل الذين استقروا تدريجيا في اجلبل تكيفوا مع هذا النمط السكني القدمي أو ذاك كما أنهم تبنوا طرائق البناء السائدة بالبلد بصفتهم سكان خيام. آن األوان إذن أن نبحث في املاضي في التاريخ عن التفاسير التي تنقصنا لفهم احلاضر ولألسف الشديد الجند أمامنا إال وثائق شديدة الفقر. فاملؤرخون العرب لم يهتموا بهذه املنطقة إال في إطار املعارك التي خاضتها احلكومات املتعددة ضد النزعة االستقاللية للسكان املعروفني بتميزهم املذهبي اإلباضي. والظاهر أن هؤالء اإلباضيني كرسوا معظم نشاطهم الفكري لتأليف كتب الفقه والشريعة التي اختفت كلها عن األنظار وآخرها فقد مع االضطرابات والقالقل املندلعة قبل حوالي 12 سنة والتكتسي إال أهمية قليلة بالنسبة ملا نحن فيه. حلسن احلظ أنه ال زال بإمكاننا مساءلة األنقاض. وبعضها ال زال يخاطب ذكرى ساكنة القرى اجملاورة وميكن أن نلتقط من أقوالها )وقائع في غاية األهمية(. باملقابل جند أخرى ماتت فعال ولم تترك أي رواية شفوية. ومع ذلك من الوارد جدا استخراج بعض الدروس والعبر من هذه األكوام املكومة من احلجارة

11 الفصل الثالث تنقالت القرى أتاحت لنا اليوم دراسة السكن القروي تفسير بنية القرى وتشتت الضيعات بل ومكنتنا من معرفة كيفية تشكل بعض القرى والتحوالت التي تعرضت لها ناهيك عن استمرار تغييرها عن حركات الساكنة التالية لوصول الوافدين اجلدد من الرحل. الفحص املتأني للكثير من أنقاض القرى سيمكننا مبا ال يقاس من تسليط الضوء على تطور السكن وضبط العواقب املباشرة والبعيدة املدى للهجرات الكبيرة لبني هالل وبني سليم بالنسبة جلبل نفوسة. كثيرة هي أنقاض القرى إذ يتجاوز عدده )في بعض اجلهات( عدد التجمعات السكنية احلالية. موقعها وطريقة جتمعها حاملة ألكثر من داللة غير أن دراستها تتطلب الكثير من احليطة واحلذر. نبدأ مبساءلة األنقاض»القريبة«من القرى احلالية التي ال زال سكانها حتى اليوم يحتفظون بذكريات وروايات. من شأنها أن تكشف لنا عن العديد من تنقالت القرى. ذلك أن هذه املشكلة تطرح في عالقة مع القرب من هذه األنقاض غير أنها غير قابلة للحل إال مبساعدة الساكن التي ينقل فيها اآلباء لألبناء بعض املعطيات عن ماضيهم تختلط بها حكايات يسهل وضعها جانبا. فأهل اجلبل هنا ال يتوفرون على اخليال اخلصب الذي يتوفر عليه»العرب«وهم من كبار الرحل كما أن عبادة املاضي واألطالل هو بالنسبة إليهم عنصر متاسك وقوة. وتؤكد رسوم امللكية القدمية التي تتضمن أحيانا تفاصيل عن الوضع القدمي للمنطقة دقة ما ال زالو يحتفظون به من ذكريات. واثق أن دراسة دقيقة لهذه الرسوم كفيلة بسد فراغات املعطيات التي تتوفر عليها حول ماضي النفوسيني. - 1 نزوح القرى باجتاه مواقع محصنة ألسباب أمنية شهد السكن تطورا ابتداءا من القرن 11 إذ انطلقت معظم القرى بحثا عن موقع جاثم ومحصن. فالتجمعات السكنية اجملاورة للعيون على سفوح الوديان تنقلت إلى األعلى أما األخرى املتناثرة على الهضبة )وهي أكثر عددا ( فقد تنقلت في 241

12 243 ديبوا اجتاه أفقي والنوع الثالث شهد تطورا أعقد ناجت عن التركيب بني هاتني احلركتني. تنقالت نحو األعلى : صعود القرى القدمية املتواجدة بالسفح كان دائما ضعيفا جدا نظرا لتواجد معظمها بالقرب من العيون فماء هذه األخيرة يرشح حتت الكلس الطوروني أو أسفل منه بقليل لكنه نادرا ما يرشح أبعد من 60 مترا حتت سطح األحراش التي تعلوه. صحيح أن التنقالت تتخذ شكال مائال افقيا بالكامل. هي ذي حالة نالوت أو اللوت التي يغطي جتمعها السكني ذي النصف املتداعي جرفا كلسيا يخترقه شعبان عميقان )الرسم 23(. جند موقعه األول بالقرب من العيون الرئيسية على سطيحة من السينوماني على بعد حوالي 500 متر إلى اجلنوب الشرقي. 173 وسط أكوام من احلجارة ال زالت تنتصب بقايا قصر قدمي جدا ممتد من القلعة إلى اخملازن احملصنة املسماة قصر. يحيط بهذه األخيرة حصن من احلجر الضخم واملستطيل الشكل منضود تنضيدا عشوائيا حتى أن أحجامها التي تثير دهشة األهالي اليوم قيل عنها الكثير من القصص واخلرافات. غرب القصر ال زال هناك مسجدا بثماني أجنحة بعد خراب 200 منها. يعلو املسجد والقصر على التجمع السكني املدعى»نالوت القدمية«وامتدادا هو التجمع السكني احلالي مع بعض التغييرات الطفيفة الالحقة به. بل إن هذا األخير نفسه صار مهجورا. الظاهر أنه كان فارها في زمانه مبنازله املتداخلة فوق جرف ضيق وشموخ وهيبة مخازنه احملصنة. فقد كان المحالة قادرا على ردع التهديدات الرهيبة لرحل ورغامة الذين كانوا يرعون في سهول اجلنوب التونسي احلالي دون أن يضطر سكان هذا التجمع إلى االبتعاد عن العيون التي توجد فوقه. أما اليوم فالقصر مهدد في كل حلظة باالنهيار واملنازل تتداعى الواحدة تلو األخرى وهجر معظمها ونالوت بصدد النشوء على الهضبة نفسها إلى الشمال الغربي من احلي اإليطالي والقلعة التركية. تشبه مبساكنها الكهفية»الغائرة«وبال باحة تقريبا خلدا عمالقا. املغارات القدمية ذات التصميم األفقي واحملفورة في خاصرة الطوروني األعلى هي همزة وصل مع القرية القدمية. تطور نالوت واضح وضوح الشمس غير أن املشكل العالق يكمن في معرفة تاريخ التنقالت التي شهدتها هذه القرية. مييل ]بگوينوت[ إلى أن نالوت )رقم 2 في الرسم 23( دامت حوالي أربعة قرون ودامت األولى حوالي سبعة إلى ثمانية قرون. غير أن طريقة بناء القصر القدمي تدفعني إلى القول بأكثر من ذلك. الظاهر أن هذه احلجارة العمالقة سبق ل ]بگوينوت[ أن لفت االنتباه إلى هذا التغيير املوقع نالوت ص 234. واملستطيلة شاهدة على طرق البناء عند الرومان أو عند البيزنطيني والتي اليخلو البلد من بعض شواهدها. يشار هنا إلى النصوص التي تؤكد أن نالوت موجودة في القرنني الثامن والتاسع. 174 )الرسم 23( تغيير موقع نالوت. - 1»نالوت القدمية«م و ق هي أطالل املسجد والقصر - 2 قرية نالوت اليوم وهي مهجورة جزئيا. - 3 نالوت اجلديدة احلي اإليطالي )خطوط متقاطعة( متتد على طول القلعة التركية ك- على احلافة مساكن كاهفة لألهالي. تطور مماثل شهدته تاگربوست وهي قرية مجاورة ليفرن وتقع في املاضي على سفح النتوء الصخري الذي تطوقه منذ قرون خلت وشهدته أيضا قرية جم اري وهي عبارة عن جتمع سكني جاثم على حافة اجلرف الكلسي الذي يعلو الضفة اليسرى لوادي ئگناون إلى اجلنوب الغربي من جادو. ثمة جتمعان سكنيان ال زالت أنقاضهما على سفوح الوادي: األول حتت مز و والثانية بعيد نسبيا في اجتاه سافلة الوادي. قد يكون سكان هذين التجمعني التجأوا إلى إحدى املرتفعات وأسسوا قرية قبل زهاء أربعة قرون على النتوء الصخري الذي ال زالت تطوقه بقايا قصر قدمي ثم بعد ذلك توسعت تدريجيا. وقد متخض عن القالقل الناجتة عن جالء القوات اإليطالية عام 1915 خراب اجلزء األكبر من القرية ما يراجع : ]باسي[ ص 436 وقد أشار إلى شخصية من نالوت في هذه الفترة ويدعى أبو زكريا يحيى الاللوتي النفوسي. 242

13 ديبوا دفع أهلها إلى االختباء باملغارات اخملتلفة على غرار أهل نالوت. وللقرى الغربية للرياينة )أوالد ريان العقيبة والفضلة( وكلها جاثمة على نتوء صخري كلسي طوروني تاريخا موازيا ومشتركا ال يخلو حتليله من فائدة. تعلو هذه القرى سطيحة واسعة مكسوة عن آخرها بأنقاض متعددة األشكال وبعض املساحات املزروعة تضاف إليها عينان مائيتان: عني العوينية وعني البيت تدل عليهما باقتا النخيل. كان موقع هذه األنقاض عاديا متاما على غرار انقاض قرية صغيرة تدعى اخلربة املتواجدة بعيدا نسبيا في عمق الوادي والتي ال تهمنا بهذا املقام. في سفح أوالد ريان حيث يعيش أمازيغ معربني جند مجموعتان من األنقاض حتيطان بعني العوينة )الرسم 24(. األولى توجد جهة الشرق وتدعى خربة بن فضيلة وهي حسب مزاعم بعض السكان قرية أمازيغية قدمية واألخرى تدعى صاف ح ة ويقال أن»العرب«هم بناتها ال ينبغي أن نستغرب لهذا التجاور بني قريتني واحدة قدمية والثانية بناها الوافدون اجلدد وكلتاهما على ضفتي العني نفسها. بعد ذلك وفي حلظة غير محددة هجر هذان التجمعان السكنيان من قبل الساكنة التي نزح جزء منها باجتاه املوقع احلصني للنتوء الصخري الذي يعلو املوقع إياه. تقع العني في هذا األخير على منازل ضيقة جدا حتيط مبخازن متهاوية وهوة محفورة حتى الصخر حتمي ساكنته من جهة الهضبة. جتاوزت حدود القرية تلك الهوة منذ قرن فقط. غير أن هذا املوقع املتواجد على نتوء صخري أجرد ال شيء يجذب فيه. فنذ 25 سنة وبعض السكان يحفرون املغارات بعمق يتراوح ما بني 500 إلى 1000 في اجتاه اخللف وتسارعت وثيرة هذه العملية في السنوات األخيرة إلى احلد الذي لم نعد جند أسرة واحدة في بيتها حتى الوافدة منها واألقل قدما. للتجمع السكاني العكيبة البعيد عن أوالد ريان بكيلومتر واحد تقريبا التاريخ نفسه واملسار ذاته. إذ يعلو أنقاض أم احلويشات اجملاورة لعني البيت وأسوة بأوالد ريان ش ر ع سكان العقيبة في ترك منازلهم بحثا عن أرض أخرى بعيدة مئات األمتار إلى اجلنوب الشرقي. )الشكل 23( أوالد ريان. نتوء رئيسي: كلس طوروني نتوء ثانوي: سينوماني أعلى العني هي عني العوينة. - 1 املوقع األصلي: ف: خربة بن فضيلة ص: خربة صافح. - 2 قرية مهجورة حديثا ق: مكان القصر املتهاوى ه: هوة محفورة في اجللمود الصخري - 3 التجمع السكني الكهفي احلالي. القرية الثالثة وتدعى الفضل جاثمة على نتوء صخري كلسي إلى الشمال قليال من القريتني السابقتني وتعلو واديا صغيرا يوجد به بئران. يد ع ي سكانه وهم أمازيغ معربون أنهم قدموا من خربة بن فضيلة ومن املنصورة وهي القرية الرابعة في هذا املكان التي لم يبق منها إال األطالل وتقع في منتصف الطريق بني القرية والعقيبة. من احملتمل جدا أن سكان املنصورة حيث ال زلنا نشاهد قصرا جميال ومدفنا إباضيا ومعصرة زيت حتت األرض وبقايا منازل وبيوت كهفية أتوا من هذا اجليل األول من القرى الواقعة 50 مترا في اجتاه األسفل. غير أن املنصورة لم تقو على مقاومة القالقل الالحقة وهجرها سكانها كما هو شأن أوالد ريان العيبة والفضل. كل هذه األمثلة على قلتها تقدم براهني ساطعة على ما نقول. فمن املؤكد أن القرى ابتعدت عن العيون حتت ضغط الضرورة القصوى. على اية حال فالسرعة التي هجر بها األهالي املوقع اجلاثم منذ سنوات برهان ساطع على عدم مالءمته ملتطلباتهم املعيشية

14 247 ديبوا التنقالت األفقية : األمثلة وافرة عن النزوح األفقي لقرى الهضبة التي تنقلت باجتاه املوقع احلصني األكثر قربا. هكذا تنقالت تهم بالدرجة األولى اجلزء الشرقي للجبل الذي تتواجد به حتى اليوم قرى على الهضبة. غير أن قرية جريجن األمازيغية في بالد احلرابا قد شهدت التطور ذاته. فقد عاش سكانها في السابق بقصبة بوكريس الواقعة عل الهضبة يفصلها عن التجمع السكاني احلالي كيلومتر ونصف. عند قدوم»العرب«حسبما ادعوا هاجر جزء من السكان باجتاه تونس والباقي استقر على موقع حصني مجاور فوق شعب حفر عليه بئران وهذا املوقع هو اليوم جريجن )الصورتان 8 و 32 (. إلى الشرق عند االنقطاع العميق لوادي غاد و جند القطروس وهم أمازيغ الفياصلة والذين كانوا يقيمون في مساكن التي ال زالت بقاياها تشاهد من فوق الهضبة. كما أن السالمات حلت محل التجمع السكني املهم خلربة گترس الذي لم يكن بعيدا. القرابة نفسها موجودة ال محالة بني خربة العزابي يونس وتيندباس وهي قرية مجاورة للجم اري وبني خربة أرجان ومز و. ومنيل إلى افتراض صالت مماثلة بني أنقاض معمورة وبالكم وقرية تاغما غير أن هذه األخيرة أكثر قدما إذا صح ما يروى من أن مسجدها كان كنيسة قدمية. 175 شهدت أولى قرى جادو تطورا مماثال وهي: متزدا رگرگ وويفات املشرفة على الوادي وطابيبا وكل ساكنتها أمازيغ كابرا عن كابر. وقد تكون ساكنة متزدا قد استقرت قبل ذلك في خربة الشيخ أبو منصور ولرمبا في التجمعني السكنيني املتداعيني املسميني حواريات. 176 أما ساكنة رگرگ قرية مبحاذاة متزدا على اجلانب اآلخر لشعب به سبعة آبار فيفترض أنها كانت تقيم بأنقاض بوگار وتايساگوت ودم ي الواقعة إلى الشرق أو إلى الشمال الشرقي في حني يفترض أن أهل ويفات ينحدرون من خربة تارگ وخربة ميدل وأنقاض الوادي اخلصب الصغير أم طبول. وأغلب الظن أن ويفات ضاربة ايضا في القدم حيث يقوم قصر ويفات على صرح مبني بناء متقنا وبه قواعد برج متني وصهريج مغطى باإلسمنت لم يعد يبنى نظيره باملنطقة منذ عدة قرون. يشار إلى أن التجمع السكني لويفات الذي كان ميتد على سطيحة سينومانية عليا بالقرب من بئرين غاص تني باملياه متركز حول الشعفة الكلسية التي يشرف عليها القصر وقد بدأ اليوم في النزول مجددا واجلالء عن املنحدرات التي كانت تقيم على الهضبة. تتحدث الروايات في كل مكان عن يراجع : ]موتيلنسكي[ ص كان مسجد متزدا كنيسة حسب ]موتيلنسكي[ ص 93 لكن ألم يخلط الرسول األعظم ) ( وهذا املسجد ورد عند ]باسي[ ص 91. هجرة كثيفة إلى تونس وهو ما يؤكده حيازة أناس من جربة تلك اجلزيرة األمازيغية اإلباضية العديد من رسوم امللكية ذات الصلة بهذه املنطقة. 177 إن القرى التي وجدت أفضل املواقع احلصينة هي غالبا تلك املستعدة في وقت ملغادرتها بعد ذلك وهو ما ينطبق على القريتني الصغيرتني املتجاورتني طرميسا وشفي اللتان كانتا تتقاطعان على نتوأين صخريني أشبه بالصراط وغاية في الوعورة ينقذفان انقذافا فوق اجلفارة. قد تكون طرميسا حلت محل القرية القدمية أم عيسى التي توجد أنقاض املعتبرة وسط غابة اشجار الزيتون 178 وهي اليوم مهجورة بدورها كذلك سكان شفي غادروا قبل حوالي قرن موقعهم الرائع لكن الغير املالئم لالقتراب من مجال األغراس. كل قرى هضبة الرجبان توجد في مواقع غريبة وشاذة واحلال أن هذه الهضبة تتناثر عليها جتمعات سكنية صغيرة متداعية منها إثنان يشدان انتباهنا جلهة سعتهما والذكريات التي خلفاها ويتعلق األمر مبيري وخربة إيدرف. 179 والقرى احلالية انبثقت جميعها من هذه. فعلى سبيل املثال فقط نشير إلى أن ميري أمدت أوالد عبد اجلليل )زعفران( بثلث ساكنتها. كان أوالد مسعودة )زنتوت( يسكنون في خربة مسعود الزنتوتي الواقعة فقط على مسافة 400 متر وراء النتوء الصخري الذي تنتصب فيه منذ مدة طويلة مخازن محصنة هي اليوم عبارة عن حطام ومسجد. كانت القرية في جزءها األعظم مسكنا كهفيا ويعود السكان احلاليون إلى عادات قدمية من خالل حفرهم للمغارات حيث بنى أسالفهم مغاراتهم في زمن مضى. من الوارد جدا أن األمثلة الدالة على القرابة بني القرى واألنقاض بجانبها عديدة ووافرة. لكن يجب احلذر من افتراض القرابة حيث اجلوار ومن الوارد جدا أن األهالي أنفسهم سقطوا أحيانا في هكذا فخ. هذا من جهة ومن جهة أخرى ليس ثمة بالضرورة تعاقبا مباشرا من قرية إلى قرية. ليس فقط ألنه من الوارد أن تكون القرية املالذ قد وجدت قبل ذلك كما هو حال ويفات ولرمبا تاغما بل ألنه من احملتمل جدا كذلك أن تكون القرية جارتها. لكن مهما قلنا عن مواطن النقص في كرونولوجيا نسبية بكل األحوال بل معلومة مستقاة من محمد الباروني في جادو وقد ذهب إلى جربه حامال معه ملرات رسومه مما ال شك فيه أن مسجد طرميسا كان فعال كنيسة. نقرأ عند [ موتيلنسكي[ ما يلي :»طرميسا حيث يتواجد مسجد الر سل وهو األقدم في فساطو«. جائز أن تكون طرميسا وأمي عيسى متعايشتني في االبداية بعد ذلك صارت األولى مالذا جلزء من ساكنة الثانية. الظاهر أن موقعها الذي يتخذ شكل مقدم السفينة ستكون له قيمة أكبر في زمن القالقل منه في األزمنة العادية يتعلق األمر بإيدرف عند ]موتيلنسكي[ ص 84 امللحوظة 2 وعند ]باسي[ ص

15 249 ديبوا ونسبية بشكل مفرط فإن انزالقات القرية املتواجدة على الهضبة نحو موقع حصني مجاور متواترة ومتكاثرة. حاالت من التطور املعقد : جند أنفسنا أحيانا أمام جتمعات سكنية ذات تاريخ أشد تعقيدا وتينزغت مثاال الفتا عنها فهي قرية صغيرة ساكنتها مختلطة وتشرف على إحدى األودية الصغيرة لبالد احلرابا. إنها شاهدة على جملة من التكيفات مع موقع شديد اخلصوصية. على الهضبة وعلى بعد 500 متر جنوب التجمع السكني احلالي متتد أنقاض»تينزغت القدمية«. 180 في حني يشهد مسجد قدمي حتت األرض وبعض املغارات إلى الغرب على تواجد مركز صغير متاخم )الرسم 25(. في عصر يستحيل حتديده شعر هذان املركزان باحلاجة إلى االنعزال على موقع حصني. واحلال أن الكتلتان الضخمتان اللتان انفصلتا عن اجلرف الكلسي للنتوء الصخري اجملاور ال توفران موقعا اقبل للولوج وإحداهما ال زالت تعلوها أنقاض قصر وبرج مربع. تنغرس املنازل في املنحدر الشديد النازل باجتاه الشرق وتتسلق الكتلة الثانية وأخيرا جند مغارات محفورة في أعماق الصخر بسفح القرية احلالية. يحكي املسنون هنا بأنهم يجمعون املاشية مساء في الردهة الضيقة والعميقة العازلة بني الكتلتني املنفصلتني واجلرف لدينا هنا منطا ملوقع حصني سواء إزاء الهضبة أو الوادي. لكن منذ نصف قرن صار البلد أكثر هدوءا ولم يعد الناس يخافون من الغارات الرهيبة آلل ورغامة وشيد السكان على حافة الهضبة تينزغت ثالثة روعي فيها الفصل بني األمازيغ و«العرب«. أما اليوم فقد اقتصروا فيها على بناء املغارات في اجتاه املسجد القدمي املوجود حتت األرض على غرار معظم قرى اجلبل. شهدت ونزيرف على سطيحة هضبة الرحيبات تطورا مماثال. فقد كانت في البداية قرية هضبة 181 ثم التصقت بنتوء صخري كلسي معزول فوق وادي صغير. منذ حوالي قرنني شيدت على حافة الهضبة فوق موقع أكثر مالءمة غير أن السكان اليوم مي الون فقط إلى بناء املغارات بنماذجها املتعددة خلف البيوت )الرسم 26(. في أيامنا تتكون قرية أوالد عطية الرجبان من ضيعات متقاربة: تيركت القدمية وهي االسم السابق للقرية احلالية تتسلق منحدرات كتلة منفصلة عن هضبة ال زالت تطوقها أنقاض اخملازن احملصنة من كل جانب. أما حالة قرية اجلحيش فمعقدة ومتنوعة في آن. يتعلق األمر بقرية جاثمة على نتوء صخري ضيق عبارة عن فج بني واديني صغيرين من أودية ككلة. يد عي األهالي أن أجدادهم اقاموا قبل ذلك في سندرال وهي قرية قدمية بالشمال بها مخازن محصنة وصهريج فوق نتوء صخري يشرف على السهل. )الرسم 26( ونزيرف أ: وجهة عني مجاورة النتوء املشار إليه هو كلسي طوروني. - 1 وجهة»وينزيرف القدمية«. - 2 قرية مهجورة منذ حوالي قرنني. ق: مكان القرية. - 3 التجمع السكاني احلالي: منازل ومساكن كهفية في اجلنوب. بعد ذلك اجتهوا لالستقرار في بلدتني جارتني على سفح وفي عمق الوادي الغربي بالقرب من بئرين )خربة مغروگ(. بعد ذلك احتاج السكان إلى مالذ آمن فهجروا هاتان القريتان في اجتاه النتوء الصخري بالفج اجلنوبي حيث تقع أعيننا على أنقاض املنازل. وأخيرا تبني لهم أن املوقع احلصني جد ضيق فبنوا»جحيش«أخرى على النتوء الصخري كذلك ونزيرف مذكورة في»السير«وتعود إلى أواخر القرن التاسع أيضا يراجع : ]موتيلنسكي[ ص 102 امللحوظة 1. )الرسم : 25 تينزغت( - 1 وجهة»تينزغت القدمية«م 1 املسجد القدمي حتت سطح األرض. - 2 قرية مهجورة منذ نصف قرن م و : مكان أنقاض املسجد والقصر غ: مغارات محفورة في الصخر. - 3 التجمع السكاني احلالي: منازل ناحية الشرق ومساكن كهفية ناحية الغرب تينزغت القدمية مذكورة في»السير«نهاية القرن التاسع راجع : ]موتيلنسكي[ ص 102 امللحوظة

16 251 ديبوا بالشمال أكثر اتساعا واستيعابا لتجمعات سكنية إضافية. مما الشك فيه أن األهالي يخطئون عندما يزعمون أن أجدادهم قدموا من سندرال ذلك أن هذه القرية هي أصال من صنف القرى املالذ على غرار اجلحيش 1 واجلحيش 2. والظاهر أن ناجتة عن األسباب نفسها التي دفعت بساكنة الوادي إلى الصعود إلى اجلحيش األولى. في مطلق األحوال فإن تنقالت القرى تتم دائما في اجتاه الوادي الصغير نفسه املتاخم للمساحات املزروعة لألشجار )الرسم 27(. )الرسم 27( اجلحيش س- وجهة سندرال. خ- )خربة ملغروگ(. ز- زاوية )ضريح(. - 1 جحيش القدمية. - 2 جحيش احلالية نتوء كلسي طوروني. - 2 تشتت أو متركز السكن يصاحب نزوح القرى من موقع طبيعي إلى حد ما في اجتاه موقع دفاعي أساسا حركة واسعة للساكنة. فعادة ما يدل تنقل قرية على تنقل موازي سريع نسبيا ألسرها من موقع آلخر. وقد رأينا كيف أن جتمعات سكنية عدة ورثت من ساكنة العديد من القرى املتداعية والباقي هاجر إلى مناطق نائية أو اندمج في مجموعات متمازجة. معنى ذلك أنه من الصعوبة مبكان على األقل اآلن التأكد مما إذا كان السكن مطبوعا بالتشتت أو بالتمركز على كل حال سجلنا أمثلة نافذة عن ظاهرة التشتت السكني في جادو يفرن وككلة والقريتان األولتان تستحقان دراسة متأنية. جادو ويفرن وككلة : تتجمع حول عني متوگت مجموعة من التجمعات السكنية وهي: جادو والقصير وأوشباري ويوجلني ومتوگت دون ذكر ئگناون التي بنيت في اجتاه األسفل. واحلال أن هذه القرى اخلمس حلت محل التجمع السكني الهام جدا املسمى»جادو القدمية«التي متتد أنقاضها إلى اخللف على هضبة قوامها كلس طوروني أعلى وطفل. تغطي هذه األنقاض مساحة شاسعة نسبيا وهي عبارة عن أكوام من احلجارة واملغارات اخملبئة حلقول صغيرة من الشعير وغطاء نباتي هزيل. غير أن ذوي اخلبرة باملكان يتبينون تصميمها األصلي. 182 في املركز يشرئب مسجد مهيب وبجانبه حي جتاري )سوق( ال زالت أجزاءه ظاهرة للعيان وفي الوسط بقايا منازل ومغارات كانت عبارة عن طابق جوفي صهاريج ال زال واحد أو إثنان منهما مستعمالن بقايا أثر طريقني )شارعني( وأخيرا أنقاض منزلني كانت تقيم بهما أسرتني من جادو احلالية بالقرب من السوق موقع احلي اليهودي والبيعة واملقبرة االسرائيلية املنفصلة عن مقابر املسلمني. باجتاه الشمال ميتد حي خاص به مسجد يدعى جامع يوجلني وهو اسم جنده كذلك في إحدى القرى اخلمس احلالية. أخيرا وعلى بعد 500 متر إلى الشمال الغربي تقع أعيننا على ضاحيتني صغيرتني هما: الگارة وهي تسمية دالة وملياال. وقد كان هذا التجمع السكني ل»جادو القدمية«اشهر من نار على علم قبل حوالي 12 قرنا. لالسف ال نعرف أي شيء عن دواعي وزمان التخلي عنه كل ما نعرفه هو اآلتي: تشرف على جادو احلالية أنقاض قصر ومسجد قدمي ال زال املصلون يترددون عليه وعلى أطرافه تتكدس املنازل األقدم في القرية برمتها ويعود تاريخ كل ذلك إلى نحو أربعة قرون. أما احليان اللذان يشكالن أساسي التجمع فحديثان نسبيا وقد كانا منفصالن أصال. في التاريخ نفسه تقريبا كان سكان يوجلني منهمكني في البحث عن مالذ آمن في أقصى النتوء الصخري الوعر املشرف على ئگناون. غير أن هذه القرية اجلديدة بعيدة عن مياه عني متوگت وهجرت منذ حوالي 150 عاما في اجتاه موقع مجاور. كما أن القرى الصغيرة األخرى وهي: الگصير متوگت وأوشباري تتحدر بشكل مباشر أو غير مباشر من جادو القدمية معنى ذلك أن انزالق التجمع السكني القدمي باجتاه حافة الهضبة كان مصحوبا بتشتت حقيقي. القرى القريبة جدا من منطقة يفرن حتدرت بدورها أو على األقل بعضها من»يفرن القدمية«التي كانت تغطي مساحة شاسعة وال زالت آثارها شاهدة في القصير والبخابخا والقراديني واملعانيني وگصبة بن مادي وعلى الفضاءات الوسيطة. ال يتحدث التاريخ حسب علمي عن هذا التجمع السكني العريق ويقول السكان بأن كل الوثائق ذات الصلة باملنطقة مت إحراقها في العهد التركي أو في تاريخ قريب جدا بل حتى االسم اختفى وزال على ما يبدو زرتها مبعية السيد محمد الباروني الذي يشهد له اجلميع بغزارة علمه والذي أمدني مبعلومات وافرة عن فساطو. ذكر البكري جادو وسوقها وسكانها من اليهود ص مافتئ النص الذي ترجمه ]موتيلنسكي[ عن قرى املنطقة يردد بأنها»وسط أكوام من األنقاض«دون 250